آفاقٌ ورُؤًى ما بَعدَ النَّصرِ في سوريا: الفُرَصُ والتَّحدِّيَاتُ
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
قَالَ تَعَالَى: "وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ" (القَصَص: 5).
بكلِّ قوَّةٍ نقولها: هذه فرصةٌ عظيمةٌ لأهلِ الإيمانِ
بأنْ يتَّبعوا سبيلَ الرحمنِ،
فإمَّا أنْ يسلكوا أبوابَ الصهيو-أمريكية، ومصيرُهم الذُّلُّ في الدَّارين، وما المجرمون عنَّا ببعيدٍ،
وإمَّا أنْ يتَّبعوا سبيلَ الرحمنِ، وإنْ بذلوا أرواحَهم فيه، فقد كسبوا الدَّارين.
بِلا أَدنى شَكٍّ، سَجَّلَتْ سُورِيَا نَصْرًا عَظِيمًا بَعدَ قُرَابَةِ أَرْبَعَةَ عَشَرَ عَامًا مِنَ التَّهْجِيرِ وَالقَتْلِ، وَأَكْثَرَ مِنْ نِصْفِ قَرْنٍ مِنْ حُكْمِ العَائِلَةِ الأَكْثَرِ اِسْتِبْدَادًا وَظُلْمًا فِي الشَّرْقِ الأَوْسَطِ.
وَعَلَى كُلِّ مُؤْمِنٍ وَمُسلِمٍ عَلَى هَذِهِ الأَرْضِ أَنْ يَفْرَحَ بِفَرَحِ المُؤْمِنِينَ. فَوَاللَّهِ، قَدْ عَانَى أَهْلُ الشَّامِ الأَمْرَّيْنِ مِنْ تَشْرِيدٍ، وَقَتْلٍ، وَتَدْمِيرٍ، وَمَجَازِرَ وَضَرب بِالكِيمَاوِيِّ. كُلُّ هَذِهِ المَآسِي وَالعَذَابَاتِ وَ هُناكَ مَن يَقَوْل إِنَّ سُقُوطَ هَذَا النِّظَامِ المُجْرِمِ لا يَخْدِمُ المِنْطَقَةَ. بَلْ وَاللَّهِ، إِنَّ سُقُوطَ الطُّغَاةِ أَعْظَمُ خِدْمَةٍ لِكُلِّ أَبْنَاءِ المِنْطَقَةِ، لِأَنَّ هَذَا النِّظَامَ الظَّالِمَ كَانَتْ لَهُ اِتِّفَاقِيَّاتٌ مَعَ الاِحْتِلالِ مُنْذُ عَامِ 1974، عُرِفَتْ بِاِتِّفَاقِيَّاتِ فَضِّ الاِشْتِبَاكِ ، نَاهِيكَ عَلَى أَنَّ جَبْهَةَ سُورِيَا كَانَتْ أَكْثَرَ الْجَبْهَاتِ أَمْنًا لِلْاِحْتِلَالِ الصَّهْيُونِيِّ.
مَا بَعدَ النَّصرِ: التَّحدِّي الأَكبَرُ
هُنَاكَ تَحَدِّيَاتٌ كَبِيرَةٌ وَأَحْدَاثٌ مُتَغَيِّرَةٌ وَمُتَسَارِعَةٌ سَتَضْرِبُ الْمِنْطَقَةَ، وَكُلُّ وَاحِدٍ يَتَمَنَّى أَنْ تَكُونَ هَذِهِ التَّغَيُّرَاتُ لِصَالِحِهِ، فَالِاحْتِلَالُ يَتَمَنَّى بَلْ وَيَسْعَى إِلَى نَتَائِجَ تَخْدِمُ كِيَانَهُ، وَالْمُسْلِمُونَ وَالْأَحْرَارُ كَذَلِكَ.
لَكِنَّ التَّحَدِّيَ الأَكبَرَ هُوَ مَا بَعدَ النَّصْرِ. فَسُورِيَا، الَّتِي عَانَتْ مِنَ الوَيْلَاتِ وَالتَّشَرْذُمِ، تُوَاجِهُ الآنَ مَرحَلَةً مُعَقَّدَةً مِنْ إِعَادَةِ اللُّحمَةِ وَالإِعمَارِ، وَبِناءِ المُستَقبَل عَلَى أُسُسِ العَدلِ وَالحُرِّيَّةِ والتَكامُلِ مَع الأمة الإِسلامية .
بِناءُ السِّيادَةِ الحَقِيقِيَّةِ
مِنَ الوَاضِحِ أَنَّ هُنَاكَ اِتِّفَاقَاتٍ خَفِيَّةً بَيْنَ الوِلَاياتِ المُتَّحِدَةِ وَالمُعَارَضَةِ، يَتَّضِحُ ذَلِكَ مِنْ خِلالِ تَصْرِيحَاتِ بَايْدِن حِينَ قَالَ: "سَنُقَيِّمُ المُسَلَّحِينَ بِنَاءً عَلَى أَقْوَالِهِمْ وَأَفْعَالِهِمْ". كَمَا أَشَارَ إِلَى عَمَلٍ مُشْتَرَكٍ لِبِنَاءِ المَرْحَلَةِ الاِنتِقَالِيَّةِ. هَذِهِ التَّصْرِيحَاتُ تُظْهِرُ أَنَّ الغَرْبَ يَسْعَى لِفَرْضِ أَجَنْدَتِهِ فِي المِنْطَقَةِ.
أَمَّا الصَّهَايِنَةُ، فَهُمْ يَتَوَغَّلُونَ فِي الأَرْضِ السُّورِيَّةِ، مُسْتَغِلِّينَ الضَّعْفَ العَامَّ. فَفِي الوَقْتِ الَّذِي يَجُولُ فِيهِ طَيَرَانُهُمُ الحَرْبِيُّ وَالمُسَيَّرَاتُ فِي الأَجْوَاءِ السُّورِيَّةِ، لَمْ تَتَمَكَّنْ الدَّوْلَةُ السُّورِيَّةُ مِنْ تَصْدِيهِمْ. بَلْ تَمَّ قَصْفُ مَرَاكِزِ البُحُوثِ وَتَدْمِيرُ المَخْزُونِ الاِستِرَاتِيجِيِّ،
وَالسَّيْطَرَةَ عَلَى جَبَلِ الشَّيْخِ السُّورِيِّ مِمَّا يُؤَكِّدُ نِيَّةَ الاِحْتِلالِ فِي فَرْضِ الهَيْمَنَةِ، وَإِعَادَةِ تَوْلِيفِ المُوَجَّةِ بِمَا يُخْدِمُ كِيَانَهَا.
وَلَكِنْ يَجِبُ أَنْ لَا تُحَمَّلَ المُعَارَضَةُ أَيَّ مَسْؤُولِيَّاتٍ، كَوْنُهَا مَا زَالَتْ فِي مَرْحَلَةِ التَّكْوِينِ وَالتَّخْطِيطِ، وَلَا تَسْتَطِيعُ أَنْ تُصْلِحَ نِظَامَ الأَسَدِ الخَائِنِ فِي يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ. فَمَا أَنْ تَتَّضِحَ رُؤْيَتُهُمْ وَيَتَشَكَّلَ إِطَارُهُمْ السِّيَاسِيُّ، حِينَئِذٍ سَيُحْكَمُ عَلَيْهِمْ؛ فَإِنِ اتَّخَذُوا الأَمْرِيكَانَ وَالصَّهَايِنَةَ أَوْلِيَاءَ نَبَذْنَاهُمْ، وَخَلَعْنَاهُمْ كَمَا تُخْلَعُ الأَحْذِيَةُ مِنَ الأَقْدَامِ. وَإِنْ كَانُوا يُؤَسِّسُونَ لِمُسْتَقْبَلِهِمْ دُونَ تَمْرِيرِ مُخَطَّطَاتِ الصَّهَايِنَةِ، اِسْتَبْشَرْنَا وَعَلِمْنَا أَنَّ القَادِمَ خَيْرٌ بِإِذْنِ اللَّهِ. وَلِأَنَّ ثِقَتَنَا بِاللَّهِ عَظِيمَةٌ، بَتْنَا نَشْعُرُ بِأَنَّ القَادِمَ أَجْمَلُ، خَالٍ مِنَ الإِمْلَاءَاتِ وَالعُبُودِيَّةِ.
وَلَا نَنْسَى أَنَّ الاِحْتِلاَلَ يَسْعَى إِلَى زِيَادَةِ حِدَّةِ الشَّرْخِ وَالخِلَافِ بَيْنَ فِلَسْطِينِ وَسُورِيَا، عَلَى اعْتِبَارِ أَنَّ تَقَدُّمَ المُعَارَضَةِ أَضْعَفَ حِزْبَ اللَّهِ الَّذِي يُدَافِعُ عَنْ فِلَسْطِينِ. وَلَكِنَّ بِفَضْلِ اللَّهِ، الفِلَسْطِينِيِّينَ أَصْحَابُ رُؤْيَةٍ ثَاقِبَةٍ؛ فَالكَرَاهِيَةُ الَّتِي كَانَ يَنْتَظِرُهَا الأَمْرِيكَانُ وَشُرَكَاؤُهُمْ الصَّهَايِنَةُ تَحَوَّلَتْ إِلَى فَرْحَةٍ وَحُبٍّ، حَتَّى شَارَكَ أَهْلُ فِلَسْطِينِ السُّورِيِّينَ فَرْحَتَهُمْ بِهَذَا الفَتْحِ العَظِيمِ. لِأَنَّهُمْ يَعْلَمُونَ مَعْنَى الظُّلْمِ وَمَعْنَى التَّخَلُّصِ مِنْهُ، بَلْ إِنَّ الفِلَسْطِينِيِّينَ أَكْثَرُ شُعُوبِ الأَرْضِ تَفَهُّمًا لِمَا يَحْصُلُ؛ لِأَنَّهُمْ مَرُّوا بِمَرَاحِلَ اضْطِهَادٍ مُنْذُ أَكْثَرَ مِنْ 77 عَامًا.
إِنَّ إِعادةَ الإِعمَارِ وَبِناءَ الاقتِصَادِ مُهِمَّانِ، لَكِنَّ الأَولوِيَّةَ يَجِبُ أَن تُركَّزَ عَلى تَحقيقِ السِّيادَةِ الكَامِلَةِ لِلبِلادِ، وَعَدَمِ السَّماحِ لِلغَربِ الصِّهيوأَمرِيكِيِّ بِالعَبَثِ فِي أَمنِ وَمَصالِحِ الدَّولَةِ.
السِّيادَةُ الحَقِيقِيَّةُ تَتَطلَّبُ تَبنِّي قُوَّةٍ عَسكَرِيَّةٍ رَادِعَةٍ، واقتِصَادٍ مُستَقِلٍّ، وَسِياسَةٍ ثَابتَةٍ تَضَعُ مَصلَحَةَ الأمة أَوَّلاً.
وهناك أَهمِّيَّةُ للقُوَّةِ وَالتَّفكِيرِ الاستِراتِيجِيِّ حيث
إِنَّ الوُجودَ الضَّعِيفَ فِي العَالَمِ الحَدِيثِ يَجعَلُ الأُمَمَ عُرضَةً لِلاستِغلالِ وَالضَّغطِ مِنَ الصِّهِيُونِيَّةِ وَغَيرِهَا. لِذَلِكَ، يَجِبُ عَلَى سُورِيَا أَن تَبني قُوَّتَها فِي المَجَالَاتِ العَسكَرِيَّةِ، الاقتِصَادِيَّةِ، وَالسِّياسِيَّةِ، مَعَ تَضمِينِ الشَّفَافِيَّةِ، وَمُكَافَحَةِ الفَسَادِ، وَبِناءِ مُؤَسَّسَاتٍ قَويَّةٍ تَعملُ لِصَالِحِ الجَمِيعِ،
و مُواجَهَةُ الإِملَاءَاتِ الصِّهيوأَمرِيكِيَّةِ
إِنَّ أَحدَ أَكبَرِ التَّحدِّيَاتِ الَّتِي تُوَاجِهُ سوريا الآنَ هُو الرُّضُوخُ لِلإِملَاءَاتِ الغَربيَّةِ الَّتِي لا تَخدُمُ إِلَّا مَصَالِحَ الصِّهِيُونِيَّةِ.
قَد صَرَّحَ رَئِيسُ وِزرَاءِ الكِيَانِ الصِّهِيُونِيِّ، مُجرِم الحَرب نَتنِيَاهُو، بِأَنَّهُ لَن يَسمَحَ بِوُجُودِ أَيِّ أسلِحة استِراتِيجِيَّةٍ فِي المِنطَقَةِ، مَعَ ضَرْبٍ مُسْتَمِرٍّ وَاخْتِرَاقٍ مُسْتَمِرٍّ لِلْأَجْوَاءِ السُّورِيَّةِ لِقَصْفِ هَذِهِ الْأَهْدَافِ.
وَهَذَا يُظهِرُ بَوضُوحٍ نِيَّتَهُم فِي فَرضِ الهَيمَنَةِ وَقَطعِ طَرِيقِ أَيِّ نُهوضٍ سُورِيٍّ. قَصفُ المَواقِعِ العَسكَرِيَّةِ السُّورِيَّةِ لِتَدمِيرِ المَخزُونِ الاستِراتِيجِيِّ هُو دَليلٌ آخَرُ عَلَى نِيَّاتِهِم.
وَأَيْضًا مِنَ التَّحَدِّيَاتِ الَّتِي سَتُوَاجِهُهَا سُورِيَا هِيَ النِّزَاعَاتُ وَالْخِلَافَاتُ الدَّاخِلِيَّةُ، سَوَاءٌ فِي تَحْدِيدِ الرُّؤْيَةِ أَوِ الْإِطَارِ السِّيَاسِيِّ أَوِ الشَّرَاكَةِ فِي تَوْضِيحِ وَتَحْدِيدِ الرُّؤْيَةِ وَالْمُشَارَكَةِ فِي الْحُكْمِ.
رُؤيَةٌ لِلمُستَقبَلِ
مِنَ الوَاضِحِ أَنَّ الفِلسطِينِيِّينَ، وَهُمُ المَعنِيُّونَ الأَكثَرُ بِالقَضِيَّةِ، لا يُطالِبُونَ أَهلَ الشَّامِ بِتَحرِيرِ فِلسطِينِ الآنَ، إِذ أَنَّ هَذَا غَيرُ مُمكِنٍ فِي الوَضعِ الحَالِيِّ. لَكِن، يَهمُّ الفِلسطِينِيِّينَ أَن تَعتَنِيَ سوريا بِنَفسِهَا وَتُرَسِّخَ وُجُودَها كَدَولَةٍ قَوِيَّةٍ وَذَاتِ رُؤيَةٍ. هَذِهِ الرُّؤيَةُ يَجِبُ أَن تَرتَبِطَ بِالمَصلَحَةِ السُّورِيَّةِ أَوَّلاً، ثُمَّ المَصلَحَةِ بالامة الإِسلَامِيَّةِ.
.
إِمَّا الحُرِّيَّةُ وَإِمَّا التَّبَعِيَّةُ
هَذِهِ الحَظَاتُ تُعَدُّ مُنعَطَفًا حَاسِمًا فِي تَارِيخِ سوريا. إِمَّا أَن تَكونَ سوريا الجَدِيدَةُ اِمتِدَادًا لِسِلسِلَةِ الخِيَانَاتِ وَالتَّنَازُلَاتِ، وَإِمَّا أَن تَبنِي أَمجَادَ المَاضِي بِرُؤيَةِ مُستَقبَلٍ وَاعِدٍ.
فَالمُهِمَّةُ الآنَ هِي تَبنِّي سِيَاسَةٍ مُستَقِلَّةٍ، قَائِمَةٍ عَلَى العَدلِ، القُوَّةِ، وَحِفظِ كَرامَةِ الأُمَّة. سوريا، فِي هَذِهِ المَرحَلَةِ، لَيسَت فَقَط دَولَةً تَبحَثُ عَن النُّهوضِ، بَل نَموذَجًا يُمكِنُ أَن يُلهِمَ العَالَمَ العَرَبِيَّ كُلَّهُ.
نسألُ الله عزَّ وًجَّل أَن تَكون سُورِيَا، فِي هَذِهِ الْمَرْحَلَةِ، لَيْسَتْ فَقَطْ دَوْلَةً تَبْحَثُ عَنِ النُّهُوضِ، بَلْ نَمُوذَجًا يُمْكِنُ أَنْ يُلْهِمَ الْعَالَمَ الْعَرَبِيَّ كُلَّهُ.
واللهُ مِنْ وَرَاءِ القَصْدِ،
وَآخِرُ دَعْوَانَا أنِ الحَمْدُ للهِ رَبِّ العَالَمِينَ.
تعليقات
إرسال تعليق