استراتيجيات النهوض بالأمة الإسلامية: ما بين بساطة المقاومة وقوة التكنولوجيا

 استراتيجيات النهوض بالأمة الإسلامية: ما بين بساطة المقاومة وقوة التكنولوجيا

بقلم د. حسين موسى اليمني

كاتب وباحث في العلاقات الدولية الاقتصادية



استراتيجيتان مهمتان لنهضة الأمة الإسلامية

بعد التوكل على الله عز وجل، والعمل بطاعته واجتناب معصيته، تأتي أهمية الأخذ بالأسباب، والسعي في الأرض بما يرضي الله، ويحقق مقاصد الشريعة في حفظ الدين، والنفس، والعقل، والمال، والعِرض. ومن هذا المنطلق، يمكن النظر في استراتيجيتين بارزتين لقيام الأمة الإسلامية، كلٌّ منهما تمثل رؤية مختلفة لطبيعة الصراع ووسائل النهوض.


الاستراتيجية الأولى: التخلي عن التكنولوجيا الحديثة والاستعداد بالمقاومة الشعبية


هذه الاستراتيجية مستوحاة من التجربة البطولية لأهل غزة في مقاومتهم للاحتلال، حيث واجهوا آلة الحرب المتطورة بالإيمان، والإرادة، والاعتماد على وسائل بدائية نسبيًا. تقوم هذه الاستراتيجية على فكرة أن التفوق الروحي والمعنوي قد يعوّض ضعف الوسائل المادية، وأن الاستغناء عن مظاهر الحضارة الغربية قد يكون وسيلة للانفكاك من التبعية والاختراق الثقافي والتقني.


إنها دعوة للعودة إلى البساطة، والتلاحم المجتمعي، وبناء القوة الذاتية من القاع، بعيدًا عن الاعتماد على الأنظمة أو التكنولوجيا التي قد تُخترق أو تُعطَّل بسهولة. فالسلاح الأقوى هو العقيدة، والنصر في النهاية وعدٌ إلهي للمؤمنين الصابرين.


لكن هذا التوجه يواجه تحديات كبيرة، منها أن العالم اليوم مترابط ومتداخل، وأن العزلة التقنية قد تؤدي إلى مزيد من الضعف والانكشاف، خاصة في الجوانب الصحية، والاقتصادية، والتعليمية.


ومن المهم البدء من اليوم بتطبيق استراتيجية المقاومة في غزة، فلا أحد يعلم ماذا تخفي لنا الأيام!


الاستراتيجية الثانية: تطوير القدرات التكنولوجية لتصل إلى ربع قوة الأعداء على الأقل


هذه الاستراتيجية تدعو إلى السير في طريق التقدم العلمي والتقني، وبناء منظومات معرفية وصناعية متكاملة، تهدف إلى تقليص الفجوة بين الأمة الإسلامية وأعدائها، ولو بقدر الربع، لأن هذا القدر وحده كافٍ لإحداث توازن ردع، وتحقيق الاكتفاء الاستراتيجي.


تعتمد هذه الاستراتيجية على حشد الطاقات البشرية، والعقول النابغة في ميادين الهندسة، والذكاء الاصطناعي، والدفاع، والطاقة، والزراعة، وفق رؤية حضارية مستقلة، منضبطة بالقيم الإسلامية، لا مقلدة للغرب، بل منافسة له. وتسعى إلى تحرير الأمة من التبعية التقنية، وامتلاك أدوات العصر كوسيلة للدعوة، والدفاع، والتمكين.


لقد أثبتت التجارب أن الاستثمار في العلم والتقنية، مع الحفاظ على الهوية، يمكن أن يُحدث قفزات نوعية، تعيد للأمة بعضًا من دورها الحضاري الريادي.


لكن التحديات التي تقف في وجه هذه الاستراتيجية كثيرة، وعلى رأسها عدم سماح القوى الصهيو-أمريكية للدول الضعيفة التابعة بتطوير قدراتها التكنولوجية، خصوصًا في المجالات العسكرية، إذ تُعدّ بالنسبة لهم تهديدًا وجوديًا.


مما يعني أنه ليست هناك استراتيجية واحدة ونهائية، بل قد يكون الجمع بين الاستراتيجيتين هو الطريق الأنجع:


الاعتماد على الإيمان، ورباطة الجأش، والبناء المجتمعي القاعدي.


مع العمل الجاد لتطوير القدرات التقنية، والتخطيط بعيد المدى، وإعداد القوة بكل أشكالها.



فإن برزت التحديات، ووُضعت العراقيل أمام النمو التقني، فإن الاستراتيجية الأولى كفيلة بالتصدي لسياسة العبودية والتبعية.

ولنا في الواقع مثالان حيّان:


أفغانستان، التي تحررت من الاحتلال الأمريكي بتطبيق الاستراتيجية الأولى.


وغزة العزة، التي قاومت جبروت الاحتلال، بل والعالم كله، بما استطاعت أن تُعدّه، حيث لم يكن السلاح بقدر ما كانت العقيدة والإصرار.


كما قال الله تعالى:

"وَأَعِدُّوا لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ..." [الأنفال: 60]


فالقوة تشمل: الإيمان، والسلاح، والعلم، والتخطيط، والاقتصاد، والإعلام.


والله من وراء القصد، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

O Muslime Herrscher, erhebt euch gegen den Kolonialismus und die kriminellen Zionisten

Сионистское интеллектуальное вторжение и его влияние на осознание нации

سوريا الموحدة: النصر الأول ضد الهيمنة الإيرانية والصهيونية وبوابة النهضة العربية والإسلامية