وقف إطلاق النار في لبنان: استسلامٌ أم إعادةُ تخطيط؟

 وقف إطلاق النار في لبنان: استسلامٌ أم إعادةُ تخطيط؟

بقلم د حسين موسى اليمني 

كاتب وباحث في العلاقات الدولية الاقتصادية 

إنَّ المتتبِّع للعمليات الصهيونية في لبنان ونجاحها في استهداف الشخصيات المؤثرة فيه، بدءًا من اغتيال الأمين العام إلى معظم القادة الذين أشبعت نفوسهم بحبِّ السيادة والحرية، ورفضهم الرضوخ لأيِّ إملاءات صهيوغربية، ولو كان ذلك على حساب حياتهم، يجد صعوبةً في تقبُّل أو فهم حقيقة وقف إطلاق النار في لبنان. هذا القرار جاء دون أن يحقق الحزب الهدف الأساسي الذي بدأ من أجله، وهو إسناد أهل غزة. ما يجعل الأمر يبدو غامضًا أو مجرد خطوة تكتيكية!


العدو الصهيوني يدرك تمامًا الشخصيات المؤثرة ومدى تأثير كلٍّ منها في الدفاع عن الأرض والحرية. كما يعلم صلابة هؤلاء الأفراد، ويميِّز بين من يسعى إلى الحرية ومن تتوق نفسه إلى العبودية والاستسلام. وبناءً على هذه المعلومات، وبعد أن زرع أعينه في كل مكان ووعد بعضهم بالسيادة والقيادة، حدَّد أسماء المؤثرين الحقيقيين في حزب الله. وقد شاء الله أن تطال يد الغدر والاحتلال هؤلاء الأحرار، ليُفتح الطريق أمام شخصياتٍ تشبه في تركيبتها باقي السياسيين والقادة العرب، الذين لا يفكرون إلا في أمان أنفسهم وزيادة رفاههم، ولو كان ذلك على حساب الحرية والتحرر من أدوات الاحتلال. بل ربما يشكِّلون آذانًا وأبصارًا للاحتلال، ينقلون له كل ما يدور في أروقة الحكم والسيادة الداخلية.


ومن هنا يتضح المسار؛ فبعد أن ضحَّى قادة الحزب بأرواحهم، وكانوا مثالًا للقوة والعزيمة، جاء من خلفهم من باع وداس وحطَّم كل ما بُنِيَ خلال العشرين عامًا الماضية!


ولا يمكننا إلقاء اللوم كله على الحزب. بل يتحمَّل المسؤولية أيضًا كلُّ من ترك قادته الجدد يشعرون بالفراغ، وعدم وجود أي دعمٍ من المحيط. كما أنَّ تغلغل الخيانة في صفوفهم جعلهم لقمةً سائغة. وقد ساهموا بهذه الهزيمة النكراء، إذ تُركت غزة ولبنان تنزفان دون أي دعم، بل تحالف عبيد العرب مع الاحتلال لإسقاط قوتهما. فالعبد لا يرغب إلا برؤية عبدٍ آخر خلفه.


وهنا يتجلَّى قول الله تعالى:

﴿إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ﴾ (البقرة: 153).

﴿وَإِن تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لَا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا﴾ (آل عمران: 120).


ورغم وصول الاحتلال الصهيوني إلى درجة الإفلاس، حتى باتت خزائنه فارغة، سواء كانت خزائن المال أو السلاح أو الصبر من قبل جنوده، إلى جانب الضغوطات الدولية وزعزعة مكانته بين الأمم، إلا أنَّ هذا الاتفاق جاء كهديةٍ ثمينة لحكومة مجرم الحرب نتنياهو. فقد منحهم الأمل من جديد في إعادة بناء مقومات الاقتصاد، وتعزيز ترسانة السلاح، ورفع معنويات الجنود، وإصلاح العلاقات الدولية. كما أتاح لهم التفرُّغ لملف غزة وبذل أقصى جهد لإنهائه بأسرع وقتٍ ممكن.


أما بالنسبة لفلسطين وأهلها، فقد كان لوقف إطلاق النار الانهزامي أثرٌ خاص؛ إذ أفقدهم حليفًا قويًّا وشرسًا خلال الأربعة عشر شهرًا الماضية. إلا أنَّ لهم الفضل الكبير في تعليم البشرية معنى الصبر والثبات.

وأرى أن وقف النار الإنهزامي في لبنان سيكون رسالة واضحة لأصحاب الأرض والحق أنه لا طريق أمامهم سوى الصبر والتوكل على الله فهو حسبهم ونعم الوكيل 

نسأل الله أن يعجِّل بالنصر والخلاص من الاحتلال، وألَّا تضيع جهود أهلنا في فلسطين.

والله من وراء القصد، والحمد لله رب العالمين.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

O Muslime Herrscher, erhebt euch gegen den Kolonialismus und die kriminellen Zionisten

Сионистское интеллектуальное вторжение и его влияние на осознание нации

سوريا الموحدة: النصر الأول ضد الهيمنة الإيرانية والصهيونية وبوابة النهضة العربية والإسلامية