المعارضة السورية بين الانتصارات والتحديات
المعارضة السورية بين الانتصارات والتحديات
بقلم: د. حسين موسى اليمني
كاتب وباحث في العلاقات الدولية والاقتصادية
إنَّ الانتصارات التي حقَّقتها المعارضة السورية في الآونة الأخيرة، وسرعة طردهم لقوات النظام السوري - ذلك النظام الذي لم يشتدَّ بأسه إلا على أبناء شعبه - قد أثلجت الصدور، لا سيما صدور أهلنا في سوريا الذين عانوا الأمرَّين من ظلم هذا النظام المستبدّ.
ورغم ذلك، فإن هذه الانتصارات أفرزت العديد من التساؤلات، خصوصاً أنها جاءت عقب وقف إطلاق النار في لبنان. ومن أبرز تلك التساؤلات: هل هذه الانتصارات هي جزء من مخطط جديد للهيمنة الصهيو-أمريكية بهدف القضاء على خطر محور المقاومة، وتشكيل حكومة سورية جديدة تقوم على التطبيع والاعتراف بالاحتلال الصهيوني؟
وهل وصل الغرب إلى قناعة بأنَّ الطوق السُّني أكثر أماناً على الاحتلال الصهيوني من الطوق الشيعي؟
الواقع والتحديات
في الحقيقة، يبدو أن انشغال روسيا بحرب أوكرانيا، وانشغال حزب الله بجبهة لبنان، كانا من الأسباب الرئيسة التي مكَّنت المعارضة السورية من تحقيق هذه الانتصارات.
ورغم ذلك، فإننا نفرح مع فرح المؤمنين، ونسأل الله عز وجل أن يجعل تدبير أعداء الإسلام وكيدهم في نحورهم.
ولا ننسى أنَّ الاحتلال الصهيوني يسعى دائماً لاستغلال أي موجة أو حركة، وإعادة توجيهها بما يخدم مصالحه. وهنا تكمن الخطورة؛ فإذا استطاع الاحتلال تطويع المعارضة السورية لصالحه، فإنَّ ذلك سيعني خسارة فلسطين لداعم قوي
وباتت وحيدة في ظلامٍ دامسٍ تتوسَّطُ بين الأعداءِ والخِياناتِ، وإنْ لم تَستطعِ الصِّهْيو-أمريكيةُ توليفَ هذه الموجةِ لصالحها، فقد تبدأُ التغيُّراتُ. فالشَّامُ كانتْ وما زالتْ قبلةَ فلسطينَ في التَّحرُّرِ.
ولهذا، يجبُ علينا ألَّا نتسرَّعَ في الحكمِ على جبهةِ سوريا، وأن نُحسنَ الظَّنَّ بهم. فإن انحرَفوا عن بوصلةِ الأمَّةِ - وهي فلسطينُ - فقدْ خسروا، وإنْ سارعوا نحوَ الحريَّةِ وإقامةِ حكمِ اللهِ على الأرضِ فقدْ فازوا، ورُبَّما يكونونَ همُ المقصودينَ في قولِ اللهِ تعالى: ﴿ فَأَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا﴾.
نحنُ نَستبشرُ بأهلِ سوريا خيرًا، وإنْ ساروا على نهجِ العملاءِ والحُكَّامِ، نَبَذْناهم وراءَ ظُهورِنا. ففلسطينُ هي معيارُ الحُرِّيَّةِ ، ولن يضرهم من خذلهم حتى يأتي أمر الله .
يقولُ اللهُ عزَّ وجلَّ: ﴿وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ﴾.
الغربُ والمدُّ الشيعي
حاولَ الغربُ في السابقِ السَّماحَ للمدِّ الشِّيعيِّ بالانتشارِ في المنطقةِ بهدفِ خلقِ نزاعاتٍ وخلافاتٍ. لكنَّ الأمورَ انقلبتْ عليهم، وأصبحَ هذا المدُّ لا يُضعفُ المنطقةَ فحسبُ، بل يُهدِّدُ مصالحَ الاحتلالِ الصهيونيِّ ذاتِها. أمَّا اليومَ، فيبدو أنَّ الغربَ يُتيحُ للمعارضةِ السوريةِ التقدُّمَ بهدفِ كسرِ كفَّةِ التوازنِ السُّني-الشيعيِّ لصالح السنة.
لكنَّ اللهَ سبحانه وتعالى يقولُ: ﴿وَلَا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ﴾.
لا نستبعدُ أنْ يكونَ الدعمُ الغيرُ محدودِ الحاليُّ موجَّهًا لإضعافِ المدِّ الشِّيعيِّ وإنهائِهِ كُلِّيًا في المنطقةِ، ومن ثَمَّ ضمانَ التَّطبيعِ مع الحكومةِ السوريةِ الجديدةِ. وهذا ما يتخوَّفُ منهُ الشَّعبُ الفلسطينيُّ المكلومُ، الذي تلقَّى ضرباتٍ قاسيةً وشديدةً، ويبحثُ عن قشَّةٍ للتعلُّقِ بها.
ولكن الثقةُ بالله كبيرة
ونعودُ إلى قولِ اللهِ تعالى: ﴿وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ﴾.
فإنْ كانَ هذا هو الهدفَ ممَّا يَجري الآن، فإنَّنا نَسألُ اللهَ عزَّ وجلَّ أن يُنيرَ بصيرةَ أهلِنا في سوريا، وألا يقعوا في فخِّ الصِّهيو-أمريكيةِ وأن يكون كتاب الله عز وجل هو ميزانهم ورؤيتهم ، خيث
أنَّ معظمَ المُجاهدينَ في سوريا، بحكمِ خلفياتِهم الدِّينيةِ المتينةِ، لن تنطلي عليهم هذه المكائدُ. وثقتُنا باللهِ عزَّ وجلَّ كبيرةٌ. نسألُهُ أن يجعلَ كيدَ الأعداءِ في نحورِهم، ولن يكونَ ذلك إلا إذا كانَ المجاهدونَ يسعونَ لمرضاةِ اللهِ عزَّ وجلَّ، وأنَّ مولاهمُ هو اللهُ نِعْمَ المولى ونِعْمَ النصير.
فإن نصروا الله فإنَ الله ناصِرَهم
واللهُ من وراءِ القَصْدِ، وآخرُ دَعوانا أنِ الحمدُ للهِ ربِّ العالمينَ.
تعليقات
إرسال تعليق