دور الصناعات الخفيفة في التحرر من الدول الغربية
دور الصناعات الخفيفة في التحرر من الدول الغربية
بقلم د حسين موسى اليمني
كاتب وباحث في العلاقات الدولية الاقتصادية
استراتيجية الصناعات الخفيفة، والتي تعتبر بداية التحرر من التبعية. كنت قد تحدثت عن هذا الموضوع قبل قرابة 12 عامًا في مقال نشرته، والآن نتحدث عن بعض النقاط الرئيسية والمهمة فيه.
ما المقصود بالصناعات الخفيفة؟
الصناعات الخفيفة هي تلك الصناعات التي تتطلب رؤوس أموال أقل مقارنة بالصناعات الثقيلة، وتكون غالبًا موجهة مباشرة إلى المستهلك. أي أن المستهلك النهائي هو المستخدم الأول لهذه السلع.
ما المقصود باستراتيجية الصناعات الخفيفة كخطوة نحو التحرر من التبعية؟
حديثنا كما ذكرنا دائمًا موجَّه إلى دول الشرق الأوسط ودول العالم الثالث. فكما نعلم، فإن الدول العربية ليست دولًا صناعية بشكل عام، رغم وجود بعض الصناعات في مصر وسوريا سابقًا، أو حتى في دول الخليج العربي، الجزائر، وتونس. نعم، توجد صناعات، لكن عند مقارنة هذه الصناعات بما يجب أن يكون متوفرًا في تلك البلاد، نجد أنها لا تزال بعيدة عن تحقيق الاكتفاء.
كما أن مقارنة الصناعات العربية بالدول الأخرى المماثلة في العمليات الإنتاجية تكشف عن الفجوة الكبيرة، حيث تتفوق تلك الدول كثيرًا في الإنتاج. لهذا السبب نعتبر الدول العربية غير مُصنِّعة. القليل الموجود لا يُعتبر كافيًا. نحن الآن بحاجة إلى عملية تنمية هذا القطاع وزيادة حجم التصنيع، إذا أردنا مواكبة التقدم الحضاري والصناعي والاقتصادي بشكل عام.
أساسيات الصناعات الخفيفة
عملية الصناعات الخفيفة تقوم على إنشاء جامعات وكليات متخصصة في الإنتاجات الصناعية. في العمليات الإنتاجية، يجب أن نركّز على الصناعات الخفيفة لعدة أسباب:
1. قلة التكاليف: الصناعات الثقيلة تحتاج غالبًا إلى مواد شبه مُصنَّعة، والتي نضطر لاستيرادها من الدول الغربية أو دول أخرى، ما يرفع تكلفة الإنتاج.
2. سهولة التنفيذ: بينما في الصناعات الخفيفة، قد يكون استيراد بعض المواد الخام أمرًا لا مفر منه، لكنه أقل تكلفة.
إذا استمررنا في تطوير الصناعات الخفيفة وزيادة التعلم في هذا المجال، يمكننا أن نصبح دولًا صناعية قوية اقتصاديًا.
دور الصناعات الخفيفة في التحرر من التبعية
لا يخفى على أحد أن التبعية الاقتصادية والعسكرية والثقافية للغرب تقيدنا. ولكن الصناعات الخفيفة تسهم في تخفيف وطأة التبعية وتساعد في تحقيق الاستقلال المستقبلي. نحن نعلم أن هذا الوطن لن يبقى دائمًا عبدًا للغرب، وسيأتي اليوم الذي يتحرر فيه من هذه القيود.
إعداد الكوادر البشرية
عندما تبدأ الأمة الآن بالتحضير والتجهيز الصناعي والاقتصادي، فهذا يمهّد الطريق لقادة المستقبل لإعلان تحرر الدول من التبعية وإقامة اتحاد قوي بمسميات مختلفة. ولذلك، يجب التركيز على هذا الموضوع.
مقارنة الوضع الراهن بالصناعات العالمية
عندما كتبتُ مقالًا قبل 12 عامًا، اعترض بعض الباحثين، قائلين إن عملية الإنتاج منتشرة في الوطن العربي، وأنها بدأت تتطور، خاصة في دول الخليج. لكنني اختلفت معهم. نعم، توجد بعض الصناعات، ولا أنكر ذلك، ولكن مقدارها لا يكاد يُذكر مقارنة بالدول الأخرى.
كمثال، هناك شركات عالمية مثل "آبل" و"جوجل" و"مايكروسوفت" تُعتبر قيمتها السوقية وحدها أعلى من الناتج القومي الإجمالي لكثير من الدول العربية، بما في ذلك الدول النفطية.
كيفية تحقيق التقدم الصناعي
إنشاء جامعات وكليات متخصصة في مجالات التصنيع.
التركيز على الصناعات الخفيفة مثل:
إنتاج المواد الغذائية بشتى أنواعها.
إنتاج المواد الإلكترونية.
إنتاج المواد الكهربائية.
إنتاج مواد البناء.
إنتاج الألعاب.
الاقتداء بالتجربة الصينية
حققت الصين قفزة اقتصادية كبيرة من خلال صناعة الألعاب. فقد كانت تعلم الأطفال في المدارس كيفية صنع الألعاب، وخلال فترات الراحة كانوا يصنعون شيئًا بسيطًا يعود بالنفع.
يمكننا الاقتداء بهذه التجربة، عبر إنشاء ورش عمل في الكليات والمدارس، ليبدأ الطلاب العملية التصنيعية منذ الصغر.
التحديات والمخاطر
يعاني الوطن العربي من تدخلات مستمرة من قِبل صندوق النقد الدولي والأمم المتحدة، التي تعمل على تحييد الاقتصاد العربي عن النمو الحقيقي. عند بداية الحديث عن التصنيع في دول الخليج، تدخلت الدول الغربية والكيان الصهيوني وأمريكا، مروّجين لفكرة السياحة بدلًا من التصنيع، وقدموا مشروع "نيوم"، الذي تبين أنه يخدم المصالح الصهيونية.
مشروع "نيوم" يُعتبر حلمًا صهيونيًا لإقامة مملكة تُسمى "نعوم" على البحر الأحمر، بمساحة تُقدر بـ 26,000 كم²، أي نصف مساحة فلسطين.
النتائج السلبية للاعتماد على الغرب
1. ضمان استمرار التبعية الاقتصادية.
2. تفشي الانحلال الأخلاقي، مما يُسهِّل السيطرة على الموارد الاقتصادية.
نسأل الله عز وجل أن يغيِّر هذا الحال إلى الأفضل، وأن يعيد بناء أمتنا الإسلامية، وأن يُوفِّقنا إلى ما يحب ويرضى، وأن يستخدمنا ولا يستبدلنا.
والله من وراء القصد،
والحمد لله رب العالمين.
تعليقات
إرسال تعليق