هل انتصرت المقاومة أم انكسرت؟

 هل انتصرت المقاومة أم انكسرت؟

بقلم: د. حُسين موسى اليمني

كاتب وباحث في العلاقات الدولية والاقتصادية


إن وقفَ الحربِ الآنَ في غزّة، بعد 467 يوم رغمَ الدمارِ والقتلِ، يُسَجِّلُ انتصارًا عظيمًا للحقِّ على الباطلِ. كيف لا، واللهُ عزّ وجلَّ وعدَنا بإحدى الحُسنيَيْنِ: إمّا نصرٌ وإمّا شهادةٌ، وكِلاهُما عظيمٌ.


ربّما يقولُ قائلٌ: أيُّ نصرٍ بعدَ هذا الدمارِ الشاملِ في غزّةَ؟ فلم ينجُ الحجرُ ولا الشجرُ ولا البشرُ، فأيُّ نصرٍ هذا؟!

غزّةُ العزّةُ حقّقت انتصارًا عظيمًا من الناحيةِ السياسيّةِ والعسكريّةِ على الصعيدِ الداخليِّ والخارجيِّ، وأيضًا الاجتماعيّةِ والنفسيّةِ، وذلك من عدّةِ أوجهٍ:


أوّلُها، أنّ الاحتلالَ فشلَ فشلًا ذريعًا في إنهاءِ المقاومةِ. بل كانت المقاومةُ، وما زالت، تُوقِعُ أشدَّ الخسائرِ في صفوفِ المحتلِّ، ولم تنكسِرْ شوكتُها، بل هي كسرت شوكةَ العدوِّ، وكسرت رهبةَ قوّتِه وأدواتِ ردعِهِ المختلفةِ، وأيضًا عجز الاحتلالُ عن إعادةِ الأسرى ورَضَخَ صاغرًا حقيرًا لشروطِ وإملاءاتِ ومطالبِ المقاومةِ. ولْنَعلمْ أنَّ للباطلِ جولةً، وللحقِّ صولاتٌ وجولاتٌ.


قال اللهُ تعالى:

"وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ * بِنَصْرِ اللَّهِ ۚ يَنصُرُ مَن يَشَاءُ ۖ وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ".


حقًّا، إنّه انتصارٌ من جميعِ النواحي: غزّةُ أصبحت رمزًا للمقاومةِ العالميّةِ ضدَّ الظلمِ والطغيانِ والاحتلالِ.


النصر من الناحيةِ السياسيّةِ


غزّةُ حقّقت مكاسبَ سياسيّةً كبرى، إذ نجحت المقاومةُ في كشفِ الوجهِ الحقيقيِّ للاحتلالِ أمامَ العالمِ. أصبحَ من الصعبِ على القوى الداعمةِ للاحتلالِ تبريرُ عدوانِهِ الوحشيِّ، وبرزتْ أصواتٌ حرّةٌ في العالمِ تدافعُ عن حقوقِ الشعبِ الفلسطينيِّ وتطالبُ بمحاسبةِ الاحتلالِ.

كما أنّ الحقيقةَ كُشِفَتْ للعالمِ كلِّه وارتفعت الأصواتُ الداعمةُ للمقاومةِ، ورغمَ المحاولاتِ المستمرّةِ لتفتيتِ الصّفِّ الفلسطينيِّ، أثبتت المقاومةُ أنّ الشعبَ الفلسطينيَّ موحَّدٌ في وجهِ العدوانِ. وأدرك الفلسطينيّونَ أنْ لا استرجاعَ للحقوقِ إلّا بالمقاومةِ المستمرّةِ ضدّ الاحتلالِ، خاصّةً أنّ العالمَ بأسرهِ يؤكّدُ عدمَ شرعيّةِ الاحتلالِ، وأنّ الدفاعَ عن الأرضِ حقٌّ مشروعٌ دينيًّا وإنسانيًّا وقانونيًّا.


أضف إلى ذلك دعمَ الشعوبِ الحرّةِ:

تضاعفتِ المظاهراتُ العالميّةُ، وتحولتْ العديدُ من العواصمِ الكبرى إلى ساحاتٍ تندّدُ بالاحتلالِ وتدعمُ حقَّ الشعبِ الفلسطينيِّ في المقاومةِ وتقريرِ مصيرِهِ. كما أصبحت فلسطينُ رمزًا للحرّيّةِ والنضالِ.

ناهيكَ عن إحراجِ الاحتلالِ دوليًّا:

فالجرائمُ البشعةُ التي ارتكبها الاحتلالُ أثارت غضبَ العالمِ، ودفعتْ بعضَ الدولِ لإعادةِ النظرِ في علاقاتِها معه، ممّا يُمثِّلُ ضربةً سياسيّةً موجعةً له.



النصر من الناحيةِ العسكريّةِ


رغمَ استخدامِ الاحتلالِ لكلِّ أنواعِ القوّةِ المُفرطةِ، إلّا أنّه عَجَزَ عن تحقيقِ أهدافِهِ المُعلَنةِ خلالَ عدوانِهِ على غزّةَ. بل على العكسِ:


صمودُ المقاومةِ كانَ معجزةً حقيقيّةً ستتغنّى بها الأجيالُ. كيف لا وقد اجتمعتْ جموعُ الكفرِ لتهزمَ الشعبَ المظلومَ فلم تهزمْهُ؟ وقد صرّح أنطوني بلينكن باستحالةِ هزيمتِهم، وقدرةِ المقاومةِ على إعادةِ هيكلتِها بصورةٍ سريعةٍ وتجنيدِ أعدادٍ تفوقُ الأعدادَ التي خسرتْها.

وزير الإرهاب الصهيوني النتن ياهو صرح عام 2023 بأنه لن تكون المقاومة بعد اليوم وفي بداية 2025 وقبل إعلان وقف إطلاق النار يصرح أنه ينتظر رد المقاومة لإعلان وقف إطلاق النار .

 وها هي المقاومةُ بلا كللٍ او ملل تستمر في إطلاقِ صواريخِها وتوجيهِ ضرباتِها النوعيّةِ للعدوِّ، رغمَ الحصارِ والدمارِ، ممّا يُؤكّدُ تطوّرَ قدراتِها العسكريّةِ والتنظيميّةِ.

وأيضًا: ستصبحُ هذه الحربُ مرجعيّةً لحروبِ التحرّرِ، والاستفادةِ من استراتيجيّةِ الأنفاقِ التي أضعفت قوّةَ الاحتلالِ العسكريّةَ والتكنولوجيّةَ. وأتوقّعُ أن تُستثمَرَ هذه الفكرةُ في الدفاعِ والهجومِ لدولِ الشرقِ الأوسطِ، وستُدرَسُ خططُ المعاركِ البطوليّةِ في الجامعاتِ ومعنى الإستسلام والتسليم والعمل بأمر الله.


كسرُ أسطورةِ "الجيشِ الذي لا يُهزَمُ": تعرّض الاحتلالُ لخسائرَ بشريّةٍ وماديّةٍ كبيرةٍ، وتكبّدتْ منظومةُ القبةِ الحديديّةِ خسائرَ فادحةً، ممّا يُثبِتُ أنّ المقاومةَ قادرةٌ على الردعِ.


ولا ننسى تحقيقَ الردعِ النفسيِّ: فلم تعُدْ قوّةُ الردعِ بيدِ الاحتلالِ وحدَهُ، بل باتَ الاحتلالُ يخشى من تداعياتِ كلِّ عدوانٍ يشنّهُ.


النصر من الناحيةِ الاجتماعيّةِ والنفسيّةِ


الثباتُ والإيمانُ: أظهر أهلُ غزّةَ صمودًا أسطوريًّا وإيمانًا راسخًا بأنّ النصرَ وعدٌ إلهيٌّ، ممّا شكّل دعامةً قويّةً للمقاومةِ.


التلاحمُ الشعبيُّ: لم ينكسِرْ المجتمعُ الغزّيُّ، بل كانَ حاضنًا عظيمًا للمقاومةِ. تكاتفَ الجميعُ أكثرَ من أيِّ وقتٍ مضى لدعمِ المقاومةِ وتحدّي الاحتلالِ.


الإصرارُ على الحياةِ: رغمَ الدمارِ، يُصرُّ الشعبُ الفلسطينيُّ على إعادةِ بناءِ حياتِهِ، ممّا يُرسلُ رسالةً للعالمِ بأنّ إرادةَ الحياةِ أقوى من أدواتِ الموتِ.

معجزة الصمود: ما أدهش العالم وأعجزهم عن فهمه، وأدركه المؤمنون بقلوبهم قبل عقولهم، هو كيف لهذه المقاومة المحاصرة، التي تتعرض لأعتى الضربات وأبشع أشكال الدمار، أن تبقى شامخة، متماسكة، وقوية في وجه أعتى قوة غاشمة؟

كيف استطاعت ،رغم جبروت الإحتلال وشدة بأسه ، ورغم دعم القوى الإستعمارية الكبرى له بالمال والسلاح والدعم النفسي ، إلا أن المقاومة استبسلت ورفضت الركوع دون أي إنكسار أو تراجع !!!


الإجابة تكمن في وعد الله وفي معية الله التي ترافق أهل الحق حيثما كانوا إنه نصر الله الذي وعد به عباده المؤمنين المخلصين الذين وقفوا في وجه الطغيان ورفعوا راية الحق .

قال الله تعالى: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ".


إنّها معجزةُ الإيمانِ، التي تفوقُ كلَّ معادلاتِ القوّةِ الماديّةِ. 

إنها بركة الصمود في سبيل الله واليقين بأن النصر لا يأتي من عتاد ولا عدد ، بل من الله وحده ، الذي ينصر من ينصره ويثبت من استمسك بحبله المتين 


أما الدروس المستفادة من معركةِ طوفانِ الأقصى


1. الحقُّ لا يُهزَمُ: مهما بلغَ الباطلُ من قوّةٍ، فإنّ للحقِّ صولاتٌ وجولاتٌ.

2.الصمود والإصرار على الحياة سبيل النصر: فرغم الدمار يصر الشعب الفلسطيني على إعادة بناء حياته مما يرسل رسالة للعالم أن إرادة الحياة أقوى من أدوات الموت وأيضاً إدراكهم أن الشهادة لا تعني الخسارة بأي حال من الأحوال ، بل أيقنوا أن الشهادة هي منهج حياة وباب من أفضل أبواب الآخرة و أثبتت غزة أن المقاومة هي الطريق الوحيد لتحرير الأرض واستعادة الحقوق، حتى أصبح الجهاد بالنسبة لهم منهج حياة ، وهذا ما كان عليه سلف هذه الأمة 

إذا أرادوا الجنة والحياة الأبدية .

﴿ ۞ إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَىٰ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُم بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ ۚ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ ۖ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنجِيلِ وَالْقُرْآنِ ۚ وَمَنْ أَوْفَىٰ بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ ۚ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُم بِهِ ۚ وَذَٰلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ﴾

[ التوبة: 111]


3. دعمُ الأُمّةِ ضرورةٌ: المقاومةُ تحتاجُ إلى دعمِ الأُمّةِ الإسلاميّةِ والعربيّةِ سياسيًّا، ماليًّا، وإعلاميًّا، لتستمر في تحقيق الإنتصارات ، وقد حظيت غزة بدعم غير مسبوق حقاً .

وأخيراً  

ما يجري في غزة ليس مجرد صراع عسكري، بل هو معركة إرادات بين الحق والباطل، بين من يناضل من أجل الحرية والكرامة ومن يسعى لإخضاع الشعوب. إن النصر الذي تحقق هو بشارة لكل الأحرار في العالم بأن المقاومة قادرة على كسر هيمنة الظالمين، وأن فلسطين ستبقى رمزاً للكرامة والصمود.

قال اللهُ تعالى:

"وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُم مَّغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ".

واللهُ من وراءِ القصدِ.

وآخرُ دعوانا أنِ الحمدُ للهِ ربِّ العالمينَ.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

O Muslime Herrscher, erhebt euch gegen den Kolonialismus und die kriminellen Zionisten

Сионистское интеллектуальное вторжение и его влияние на осознание нации

سوريا الموحدة: النصر الأول ضد الهيمنة الإيرانية والصهيونية وبوابة النهضة العربية والإسلامية